في ثياب الحملان

 

واضح من العنوان.. أنهُ لن يكون كلامًا سهلاً، تأمُّل هذا اليوم..

 

لكن، بما أنَّ هذا الكلام، ليسَ من صنع وابتكار بشر، بل هوَ من كلمة الله، فلم.. ولن أتراجع لحظة واحدة عن المشاركة فيه، لا سيما بعد إلحاح الروح القدس عليَّ في ذلك.

والهدف من هذا الكلام، في الدرجة الأولى: حماية الخراف من الذئاب، وفي الدرجة الثانية: تنبيه وتوجيه هؤلاء الذئاب الذين يقعون ضحيَّة عمل إبليس، الذي يهدف في الدرجة الأولى: إلى إيذائهم شخصيًا، وفي الدرجة الثانية: إيذاء إخوتهم، فليكن لكل واحد منَّا في هذا الصباح، التواضع اللازم تحت يد الرب، لنواجه معًا ما يكشفهُ الروح القدس لكل واحد منَّا، متعلمين الدرس، مُصحِّحين أخطاءَنا إن وُجدت، لكي ننجو من خطورة هذا الوضع، ولكي نحمي أنفسنا وإخوتنا من مفاعيل ما قد نقوم بهِ أحيانًا، وبنهاية المطاف أن يصب كل جهدنا في امتداد ملكوت الله، وعدم تعطيل عمل الروح القدس في وسطنا. 

قال الرب يسوع لتلاميذه عندما كلمهم على الجبل: " احترزوا من الأنبياء الكذبة، الذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة، من ثمارهم تعرفونهم... " (متى 7 : 15 – 16). 

لنتأمل بدقة بهذا الكلام: لا يوجد خطر من الذئاب التي ترتدي ثياب الذئاب، لأنَّ شكلها يدلّ على ما في داخلها، إنمَّا الخطر هوَ من الذئاب التي ترتدي ثياب الحملان، لأنَّ شكلها لا يدلّ على ما في داخلها، وهنا تكمن الخطورة.. لكن لا يوجد خطورة بسبب توجيهات الرب لنا.. إذا تنبهنا للموضوع.. وراقبنا الثمار، لأنهُ من ثمارهم نعرفهم.. فدع هذه العبارة " من ثمارهم تعرفونهم " ترافقك في هذا التأمل، لأننا سنبني عليها تعليمنا.. 

قد تقول لي: "إنَّ الرب يتكلم عن أنبياء كذبة، وعن ذئاب خاطفة، ستأتي بثياب حملان، فما علاقتي أنا كمؤمن بهذا الكلام؟ ". وأنا أقول لكَ دعنا نسأل الرسول بولس هذا السؤال.. 

قبـل عـودة الرسـول بولس إلى أورشليم من رحلته التبشيرية، جمعَ شيوخ كنيسة أفسس في "ميليتس"، وانتبه معي، أنهُ لم يجمع المؤمنين العاديين بل الشيوخ، أي مؤمنين لهم مكانة، خدام، يُمسكون خدمات في الكنيسة، وبطريقة أوضح أشخاص ناضجين في الإيمان، وقالَ لهم الكلام التالي: " احترزوا إذًا لأنفسكم، ولجميع الرعية، التي أقامكم الروح القدس فيها نظَّارًا، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه، لأني أعلم هذا، أنه بعد ذهابي، سيندسُ بينكم ذئاب خاطفة، لا تُشفق على الرعية، ومنكم أنتم سيقوم رجال، يتكلمون بأمور ملتوية، ليجتذبوا التلاميذ وراءهم، لذلك ٱسهروا متذكرين، أني ثلاث سنين ليلاً ونهارًا، لم أفترِ عن أن أُنذر بدموع كل واحد، والآن أستودعكـم يـا إخوتـي لله، ولكلمة نعمته، القادرة أن تبنيكم وتعطيكـم ميراثًا مع جميع المقدسين " (أعمال 20 : 28 – 32).

سألنا بولس الرسول.. فأجابنا !!!

ذئاب خاطفة ستندسُ بينكم.. ونحن نقول، لا دخل لنا في هؤلاء الذئاب.. نعم.. ولا بأس.. لكن ماذا عن ما يُكمله بولس قائلاً: ومنكم أنتم سيقوم رجال، يتكلمون بأمور ملتوية، ليجتذبوا التلاميذ وراءهم... " .. ليسَ من خارج الكنيسة.. بل منكم أنتم.. وليسَ أي أشخاص.. بل الكلام كانَ موجَّهًا لخدام، لمؤمنين ناضجين.. وليعذرني كل من لا يعجبهُ هذا الكلام.. فهذا كلام الله.. من الكتاب المقدس.. وليتابعني من يريد أن يحمي نفسه، من أن يكون مصدرًا لكلام ملتوي يجتذب فيه التلاميذ وراءَه.. وليتابعني من يريد أن يحمي إخوته من هذه الثمار.. 

أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ؟ لاَ تَضِلُّوا: لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلاَ فَاسِقُونَ وَلاَ مَأْبُونُونَ وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ، وَلاَ سَارِقُونَ وَلاَ طَمَّاعُونَ وَلاَ سِكِّيرُونَ وَلاَ شَتَّامُونَ وَلاَ خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ (1كور 6: 9 -10) 

يقول القديس يوحنا ذهبي الفم:-

"من هم الذين بلا ترتيب؟ الذين يعملون ما يضاد إرادة الله... الإنسان الشتام يسلك بلا ترتيب، والسكير أيضًا، وكل الذين يخطئون. هؤلاء يسلكون بلا ترتيب يليق برتبتهم، إذ ينحرفون عنه، لهذا يطرحون خارجًا".

وكيفَ أُميِّز إن كانَ ما أقوم به يصب في هذا الخانة؟ وكيفَ أُميِّز وأحمي نفسي من التعرض لهذا الكلام؟ الجواب من ما قاله الرب: "من ثمارهم تعرفونهم" وفي ما قالهُ بولس: "ٱسهروا متنبهين... واستودعوا أنفسكم، لكلمة نعمته القادرة أن تبنيكم وتحميكم". إذًا الثمر الذي أراه في من يكلمني.. وفحصه على ضوء ما تقول عنهُ كلمة الرب.. هما مصدر حمايتي.  

فالكلام الذي يُهمس في أُذنك لكي تقوله لإخوتك، أو الكلام الذي تسمعهُ من إخوتك، أي إن كنتَ ممن يُستخدمون في قول الكلام للآخرين، أو كنتَ ممن يُقال لهم هذا الكلام، فإنَّ مصدر حمايتك هوَ واحد: كلمة الله، إن كانت توافق على هذا الكلام أم لا !!! فكلمة الله تقول: " كُفَّ يا ٱبني عن الإصغاء إلى التعليم الذي يُضلَّك عن كلمات المعرفة " (أمثال 19 27). 

فإن كان هذا الكلام همسًا من الشيطان، كُفَّ عن سماعه وتنفيذه، وإن كانَ كلامًا مباشرًا من إخوتك، كُفَّ أيضًا عن سماعه، لأنهُ سيضللك عن كلام المعرفة، كلام الله..

وسفر الأمثال يُنبهنا، ليسَ في موضع واحد، بل في موضعين، أن نرفض كلام النميمة قائلاً:

" كلام النمَّام، مثل لقم حلوة، وهو ينزل إلى مخادع البطن " (أمثال 8:18).

" كلام النمَّام، مثل لقم حلوة، فينزل إلى مخادع البطن " (أمثال 22:26). 

نعم.. كلام النمَّام، مثل الطعام الحلو.. وخطورته أنهُ ينزل إلى الأعماق ويستقر فيها، ليصنع مرارة، تعب، تشويش، ضلال.. ويمكنك إضافة ما ترغب من الكلمات في هذا السياق، لـذا تنبَّه مـن كلام النميمة !!!

ماذا نُريد أن نُعالج في هذا الصباح؟

إننا نعالج الآفة الخطيرة التي، وللآسف الشديد سيطرت على كل كنائسنا دون استثناء.. ألا وهيَ النميمة.. وانتقاد وتشويه سمعة بعضنا البعض.. لا بل تدمير سمعة بعضنا البعض.. وهذا الموضوع يطال أغلب الأحيان، الخدام والقادة والرعاة والرسل وأصحاب الخدمات الكبرى حولَ العالم، وللآسف الأشد، أننا دون أن ندري، نكون شئنا أم أبينا.. ذئاب خاطفة في ثياب إخوة وحملان.. أو كما قالَ بولس: " متكلمين بأمور ملتوية، لنجتذب التلاميذ وراءنا... "، ليحفظنا الرب أجمعين، من لعب هذا الدور !!! 

كم شُوِّهَتْ خدمات كبيرة حول العالم، وكم خسر عدد كبير من المؤمنين بركات كثيرة، لأنهم لم يعودوا يستمعوا لوعاظ كبار أقامهم الله في ملكوته، لأنهم استمعوا لكلمات النميمة الحلوة والتي تنزل إلى أعماق البطن.. وكم ترك مؤمنون كنائسهم، لأنهم استمعوا لكلمات النميمة على قادتهم ورعاتهم وإخوتهم، وكم دُمِّر من الإخوة المباركين بسبب النميمة التي تناولتهم.. وكم شُتِّتت خراف من قطيع الرب الذي اقتناه بدمه الثمين بسبب الخدع نفسها.. 

حذار.. وحذار.. وألف حذار، للذين يقومون بهذا الدور، وللذين يستقبلون نتائج هذا الدور، فالذين يقومون به، سيلقون تأديبًا قاسيًا من الرب، هم بغنى عنهُ، والذي يستقبلون هذا الكلام، سيجدون أنفسهم في نهاية المطاف عريانين، مشردين، ينتقلون من كنيسة إلى أخرى، والخطر الأكبر أن ينضموا لاحقًا إلى لاعبي هذه الأدوار.. ليرحمنا الروح القدس.. وليُعطنا تواضعًا وفهمًا لنستقبل رسالته لنا في هذا اليوم !!! 

لأنَّ كلمـة الـرب تحذرنا قائلة: " فلم يدع إنسانًا يظلمهم، بل وبَّخ ملوكًا من أجلهم، قائلاً لا تمسّوا مسحائي، ولا تُسيئوا إلى أنبيائي " (مزمور 105 : 14 – 15).

إن كان الرب لم يسمح لملوك، أن يمسّوا مسحائه وأنبيائه، فهل يا ترى سيسمح لي ولكَ أن نفعل هذا؟

بالطبع لا.. فلنخف الرب، لأنَّ رأس الحكمة هوَ مخافة الرب !!!

ومن هم مسحاء الرب وأنبيائه؟

ببساطة.. هم أنا وأنت، وكل أخ وأخت بيننا، هم الخدام والقادة والرعاة والرسل، الذين أقامهم الرب في وسطنا، لكي يعلموننا، ويرعوننا، ويباركوننا، وليسَ لكي ننم عليهم، ونشوه أو نُدمر سمعتهم !!!

 

لا تقل لي إنَّ ما أقوله أحيانًا عن إخوتي، هوَ مجرَّد نقد بنَّاء لخير الخدمة، وهوَ مدعوم من كلمة الله، لأنَّ الشيطان يستطيع أن يظهر كملاك نور، مستخدمًا آيات من كلمة الله، لكي يخدعك، ويخـدع سامعيـك، وهـوَ فعلها مع الرب يسوع، عندمـا قـالَ لـهُ: " مكتوب.. أنهُ يوصي ملائكتـه بك لكي يحفظوك، وأنهم على أياديهم يحملونك، لكي لا تصدم بحجر رجلك... " وإن كان إبليس قد فعلها مع الرب، فهوَ لن يتورَّع لحظة واحدة من أن يكررها معك، لكن بولس الرسول يقول لنا: " كما سبقنا فقلنا، أقول الآن أيضًا، إن كان أحد يُبشركم في غير ما قبلتم، فليكن أنا ثيما " (غلاطية 9:1). 

فأنا لم أجد في الكتاب المقدس كله، من أوله وحتى آخره، كلمة واحدة تسمح لنا بأن نحكم أو ندين أو ننم أو نتكلم بالسوء على بعضنا البعض، بل على العكس تمامًا، أن نبارك ونشجع، ونبني ونتشفع ونصلي وندعم بعضنا البعض، وإن أنتَ وجدت كلمة واحدة، خلافًا لما أقوله لكَ الآن، فأنا أرجو منك أن تُطلعني عليها، لكي أنضم إليك..

والآن إليك بعض المقاطع الكتابية التي سترشدك في معالجة وفهم هذا الموضوع الهام:

" يا رب من يُقيم في مسكنك؟... الذي لا يُشوِّه سُمعة الآخرين... " (مزمور 15 : 1 – 3). 

" فمن أنتَ لتدين خادم غيرك؟ إنهُ في نظر سيده يثبت أو يسقط. ولسوفَ يثبت، لأنَّ الرب قادر أن يُثبتهُ... ولكن، لماذا أنتَ تدين أخاك؟ وأنتَ أيضًا، لماذا تحتقر أخاك؟ فإننا جميعًا سوفَ نقف أمام كرسي المسيح لنُحاسب " (رومية 14 : 4 - 10).

 

هل لاحظت معي، الرب قادر أن يثبت من تعتبره ضعيفًا أو مقصِّرًا.. فلا تدينه ولا تشوه سمعته، ولا تستمع إلى من يشوه سمعته! 

" ٱتضعوا قدام الرب فيرفعكم، لا يذم بعضكم بعضًا أيها الإخوة، الذي يذم أخاه، ويدين أخاه، يذم الناموس ويدين الناموس، وإن كنتَ تدين الناموس، فلست عاملاً بالناموس، بل ديَّانًا لهُ، واحد هوَ واضع الناموس، القادر أن يُخلِّص ويُهلك، فمن أنتَ يا من تدين غيرك؟ " (يعقوب 4 : 10 – 12).

سأكتفي بهذا القدر من الآيات الواضحة، والتي سيعلمك الروح القدس مغزاها الحقيقي.. دُعينا لكي نُبارك بعضنا البعض.. لكي نكون رجل واحد في الحرب.. دُعينا لكي نحمل أحمال بعضنا البعض.. ولم نُدعَ لكي نلعن وندين ونذم بعضنا البعض.. وننقسم على بعضنا البعض.. دُعينا لكي نكون حملان بثياب حملان.. نُشابه الحمل الحقيقي الرب يسوع المسيح.. الذي ضحَّى بنفسه من أجل الخراف.. ولم يتركها عرضة للذئاب الفاتكة، فتضيع وتتبدد.. وهوَ الذي لم يُطفىء فتلية مدخنة ولم يقصف قصبة مرضوضة.. فلننزع عنا قلب الذئب.. ولنستبدله بقلب الحمل الحقيقي.. ولنُشابه يسوع في كل شيء.

وماذا تفعل عندما تتعرض لكلام نميمة على إخوتك وقادتك؟    

لا تسمح لمن ينقلهُ إليك أن يُكمل إطلاقًا.. لأنه كما قرأنا كلام النمَّام، لقم حلوة، قد تنزل إلى أعماقك، بل قُل لهُ: "كلمة الله تقول: إن أخطأَ إليك أخوك أذهب وعاتبهُ بينك وبينه، ولا تعاتبني أنا ولا تخبرني عنهُ أي شيء، فأنا أرفض أن أفتح نفسي لأي كلام يٌقال"، وأرجوك أن تكون حاسمًا في هذا الموضوع، ومن يتابع ليقول لكَ: "الأخ الفلاني سيء.. والخادم الفلاني سيء.. والراعي الفلاني سيء"، قُل لهُ: " لكنَّ كلامك أسوأ، أرجوك أن تتعظ ولا تُكمل". هؤلاء هم مدمدمون متشكون سالكون بحسب شهواتهم وفمهم يتكلم بعظائم يحابون بالوجوه من اجل المنفعة (قد 1: 16).

 

ولن نحلل سويًا، من الذي يقوم بهذا الدور عن وعي وإدراك، أو عن عدم وعي وإدراك، مخدوعًا من الشيطان، فكل واحد منَّا مسؤول أن يدع كلمة الله، تسكن في قلبه بكل غناها وعمقها، لكي يتجنب الوقوع في هذا الفخ الشيطاني.. دون أعذار !!!

 

وأخيرًا هل للرسل أو للقادة أو للرعاة أو للخدام أو للمؤمنين عيوب وعورات كما تسميها كلمة الله؟ بكل تأكيد.. فلكل منا ضعفاته وعوراته.. لكن السؤال يبقى، أنهُ عندما ترى عورة أحدهم ماذا ينبغي أن تفعل؟ والإجابة موجودة في كلمة الله:    

نوح سكر من الخمر وتعرَّى في خيمته، وهذه عورة كبيرة بكل تأكيد..

وهنا ٱنقسمُ أولاده إلى فريقين:

فريق وهوَ: حام أو كنعان، الذي رأى عورة أبيه وفضحهُ أمام إخوته.. والنتيجة كانت ما قالهُ نوح لهُ: " ملعون كنعان، عبد العبيد يكون لإخوته " (تكوين 9 : 25).

 

وفريق آخر وهوَ: سام ويافث، اللذين رفضا النظر إلى عورة أبيهما، لا بل استقدما رداءً وغطوا لهُ عورته.. والنتيجة كانت ما قالهُ نـوح لهمـا: " مُبارك الـرب إله سام، وليكن كنعان عبدًا لهم، ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام، وليكن كنعان عبدًا لهم " (تكوين 9 : 26 – 27). 

ولكَ وحدك أن تختار فريق من هذين الفريقين

+++

يعقوب 3: 6

أللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإِثْمِ. هَكَذَا جُعِلَ فِي أَعْضَائِنَا اللِّسَانُ،

الَّذِي يُدَنِّسُ الْجِسْمَ كُلَّهُ، وَيُضْرِمُ دَائِرَةَ الْكَوْنِ، وَيُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ.

 

خطايا اللسان

 

اللسان عضو صغير جداً في جسم الإنسان، ولكن ما أضخم خطاياه التي لا تتناسب مطلقاً مع حجمه. ولذالك قال احد القديسين:

 

 "كثيراً ما تكلمت فندمت. وأما عن سكوتي فما ندمت قط"

فما هي خطايا اللسان إذن؟ وما مدى خطورتها حتى يندم الإنسان عليها.

أول خطورة للسان هي أن خطاياه نابعة من القلب. فالقلب الطاهر لا يلفظ سوى ألفاظ طاهرة. أما ما في القلب من خطاي، فهذه يكشفها اللسان. ولهذا يعرفون طبيعة الإنسان من ألفاظه، فلغته تظهره...ولهذا فإن خبراء السياسة- إذا أرادوا أن يعرفون بواطن إنسان – يتركونه يتكلم، وكلامه يكشفه، فيحكمون عليه

***

ثاني خطورة للسان هي أن الكلمة التي تخرج منه، لا يستطيع مطلقاً أن يسترجعها. لقد حُسبت عليه..

فإن حدث ذات  مرة، وزلف لسان إنسان، فجرح شعور صديق له بكلمة لا تليق.فإنه- مهما ندم على قوله – فإن تلك العبارة قد حسبت عليه، وربما لا ينساها له ذلك الصديق! مادام الأمر هكذ، فليحترس الإنسان في كل ما يقوله. وخير له أن يزن كل لفظ قبل أن ينطق به.. ويحاسب نفسه على كلامه قبل أن يحاسبه الناس علية ..

***

والأمر الثالث في خطورة اللسان، هو أننا سوف نقدم لله حساباً في يوم الدين عن كل كلمة بطالة خرجت من أفواهنا

فملكوت الله يُشترط في الذين يدخلونه أن يتصفوا بعفة اللسان وعفة الألفاظ. إذن أليس هو تدريباً نافعاً جداً أن ندرب أنفسنا على عفة الألفاظ ، وأن نراجع أنفسنا من جهة نوعية كلماتن، وننقيها من كل كلمة موشية غير مهذبة... وكيف يكون ذالك؟

***

نبعد أولاً عن الكذب بكل أنواعه:

أي كل ما لا يتفق مع الحق والصدق. وربما من بين هذا أيضاً بعض إنصاف الحقائق التي لا تعطى صورة دقيقة عن الصدق والواقع. وأيضاً كلام المبالغة الشديدة التي تصوّر الأمور بغير واقعها. وما يتحايل البعض على تسميته بالكذب البريء، بينما هذه العبارة أيضاً غير بريئة، لأنه لا توجد أنواع من الكذب مقبولة على الإطلاق.. ومنها أيضا عبارات المديح الزائد، والنفاق والرياء. من هنا ينبغي الحرص في مراعاة الدقة في كل ما يقوله الإنسان. وبهذا يصبح موضع  ثقة من الناس.

***

ثانياً: البعد عن إهانة الآخرين أو جرح مشاعرهم:

سواء باللفظ ، أو الكتابة، أو بالدسّ والوقيعة والنميمة والغيبة. والاغتياب هو أن يتحدث الشخص بالسوء على أحد الناس في غيبته، مما لا يجرؤ أن يقوله في حضرته. وعلى العموم فإن الخوض في سيرة الآخرين والحديث عن سلوكهم والتعليق عليه، هو من الخطايا الشهيرة التي يقع فيها غالبية الناس، ويجدون وسيله لقضاء الوقت وللتسلية!!

ومن الخطيئة في العلاقات الشخصية العتاب المرّ القاسي، الذي يجرح الشعور، والذي يقصده الشاعر بقولة:

 

ودَعْ العتابَ فربّ شر     كان أوله العتابا

 

إن كان الأمر هكذ، فماذا نقوله إذن عن عبارات السبّ  واللعن التي يحكم عليها القانون، أو عبارات السب المغطاة التي لا يطولها القانون، ولكنها تطولها أفهما الناس ومشاعرهم فتتأذى؟!

***

من أخطاء اللسان أيضاً عبارات الغضب والنرفزة:

هذه التي لا يضبط فيها الشخص أعصابه، فتخرج الألفاظ منه جارحة مؤلمة مهينه، إلى جانب منظرة وهو غاضب الذي لا يقل عن الفاضة في الإثارة. كما أن علو الصوت الصاخب لا يليق أيضاً، وكذالك حدّة العبارات وقساوتها. نعم، ما أكثر الأخطاء التي يقع فيها الإنسان في ساعة غضبه، والتي ربما يندم عليها حينما يهدأ ، ولكن بعد فوات الفرصة يضاف إلى هذا ما يقوله أحيانا في غضبه من عبارات التهديد والوعيد!

***

من أخطاء اللسان أيضا الثرثرة والحديث في التافهات...

إن الله قد خلق اللسان لأجل فوائد معينة ورسالات  يقوم به، وليس لكي يستخدمه فيما لا يفيد أحدا بل قد يفدّ!

ومن أمثلة الثرثرة الإطالة المملة في الحديث مما يتعب الأعصاب.. ومن أخطرها الحديث في التليفون في أوقات غير مناسبة، وفى موضوعات لا تهم السامع في شئ. ومحصلتها كلها هي إضاعة الوقت...

ومن أمثلتها كذلك، الفكاهات البذيئة التي لا تتفق مع الأخلاق في شئ.. وكذلك عبارات المزاح الرديء

***

كذلك من أخطاء اللسان، استخدامه في اللهو والعبث...

كأن يقضى الإنسان وقت فراغه في بعض الأغاني البطالة التي قد يكون لها تأثير سيئ على خلقه، أو يقضى الوقت في كلام العبث مع أصدقائه، ويظن هذا لوناً من التسلية، ولكنها تسلية ضارة... وإذا لا يجد شيئاً يشغل به وقته، فإنه يشغله بإضاعة وقت الآخرين..!

* ومن أخطاء اللسان أيضاً، كلام الافتخار والتباهي

والأجدر بالإنسان أن يمدحه الآخرون على ما يفعله من خير، لا أن يمدح هو نفسه ويتباهى بما قاله أو ما فعله. وغالباً ما يكون سماع كلام الافتخار ممقوتاً من الناس، وبخاصة إذا أطاله...

***

من هذا كله يتضح أن خطايا اللسان ضارة بمن يقوله، وضارة بمن يسمعها. وهكذا فإن العقلاء قد فضلوا الصمت. وما أجمل قول سليمان الحكيم:

 

"إذا صمت الجاهل يُحسب حكيماً"

copticpope.org