النميمة

يقول الكتاب المقدس أن النمام يستحق عقاب الموت (رومية 30:1، 32). وأن على المسيحيين ألا يخالطوا النمامين. (1كورنثوس 11:5) والرسول يقول: "أعزلوا الخبيث من بينكم" (1كو 13:5). وهذا يصور لنا مدى خطورة النميمة.

ولكن الشيطان على استعداد أن يدفع أي ثمن، ليدفعنا إلى هذه الخطية، حتى يجعل مصيرنا اللعنة. بل إنه يريد ألا يجعلنا نحس، بأننا قد تورطنا فيها بالفعل.

ولكننا نجد للأسف، في واقع الأمر، أن هذه الخطية تنتشر بيننا نحن أتباع المسيح. إنها واحدة من سمات الفريسية في حياتنا.. قد لا نختلق الأكاذيب عن عمد؛ ولكننا نكذب الحكم على إخوتنا بإدانتهم- حتى لو لم نكن نعرف شيئاً عنهم، بل اكتفينا بسماع أخبار سيئة تدور حولهم من آخرين. ولأننا متكبرون، وأبرار في نظر ذواتنا، وفائضون بروح النقد، فإننا سرعان ما نندفع في طريق النميمة والتحدّث بالسوء، دون بحث أو تدقيق مرددين شائعات زائفة، لا أساس لها من الصحة.

طريق النميمة الطبيعي!

وقد نبدأ بنشر الشائعات، عن زملائنا، أو عن أناس لم نعرفهم على الإطلاق.

بهذا الطريق، تزحف خطية النميمة، دون أن ندري، إلى أعماق قلوبنا. إنها تبدأ بالنقد.. بالحكم على أحدنا الآخر.. بالتقول بأقوال السوء عن سيرة الناس، من وراء ظهورهم. وفي كبريائنا نظن أن من حقنا، أن نصدر أحكاماً على كل شيء وعلى كل شخص، متخذين لأنفسنا مركز الحارس الرقيب. ولكننا مخطئون. فلسنا حراساً حقيقيين. لأننا لسنا حراساً على الحق في حياتنا. ومع ذلك نتجاسر، وندين إخوتنا. ونصدر أحكاماً، دون أن نبحث أو نمحص الحقائق. فإذا كانت تلك الأخبار زائفة، كاذبة، فنحن نذيع أقوال النميمة، إننا نمامون ننشر شائعات، لا يحق لنا أن ننشرها، ونتحدث بأخبار مختلفة، قد تسبب في تحطيم آخرين..

وأليست هذه خطية الفريسيين؟. هل عملوا جرماً أكثر من دينونة يسوع، على قدر ما وصل إليهم من معلومات، وعلى قدر ما حذر القادة الروحيون منه؟

ومع ذلك لقد كانوا مرائين، نمامين، كذابين. وكيف وصلوا إلى هذا الحد؟ ذلك لأن حكمهم لم يكن منزهاً.. لم يكونوا منزهين عن الهوى، وحتى وإن لم يتحققوا هذا. كانوا متكبرين، ولم يشاءوا أن يذلوا في حضرة يسوع، الذي كشف القناع عن ريائهم، وكبريائهم.

ثم، لقد كانت قلوبهم فائضة بكل حسد ومذمة، ذلك لأن يسوع قد كسب أتباعاً كثيرين من الشعب، حتى أصبح الفريسيون في المؤخرة. كان هذا صعباً عليهم أن يقبلوه. لقد حقدوا عليه بسبب شهرته.

وهكذا كان حكمهم على يسوع، بدافع قلوبهم الشريرة. مثل هذا القلب المتكبر، الفائض بالحسد، والغيرة، يجعل صاحبه أعمى البصيرة، لا يستطيع أن يرى الحق بالنسبة للآخرين. وفي نفس الوقت يلد خطية أخرى – النميمة، وقدح الآخرين. وهكذا نرى الكثيرين من المسيحيين، يذمون إخوتهم، بدافع الحسد، ويتحدثون بأمور رديئة عنهم؛ متحججين بأن الهدف وراء هذا السلوك، هو مصلحة الآخرين كي يرفعوا من شأنهم لأنهم يجب أن يكونوا مثالاً لكل حيّاً! ولكن الدافع الخفي هو في واقع الأمر، روح الحسد، على الرغم من أنهم ينفون هذه الحقيقة.

احذر هذه الكذبة!

يتحدث يسوع لتلاميذه قائلاً : "تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله." (يوحنا 16: 2). آه لو كنا نتحقق أن أقسى لعبة ماكرة يلعبها الشيطان، هو ألا يدعنا نرى أكاذيبنا، أكاذيباً بالحقيقة! وأننا في كبريائنا، ونقدنا لأخوتنا، وحقدنا عليهم، نعمى عن حقيقة خطية الحسد، ونقتنع بأننا نخدم الله، حينما نحذر إخوتنا من الآخرين مذيعين عنهم كل مذمة، وشر؟! وهكذا نظن أننا نخدم الله، بينما نحن في الحقيقة نشتكي على الإخوة. ولكن لأننا جميعاً ينبغي أن نظهر أمام كرسي المسيح، لنعطي جواباً عن كل ما فعلناه بالجسد، علينا أن نمتحن أحكامنا التي نصدرها على الآخرين، سواء كانوا أفراداً، أم كانت جماعات مسيحية، طالبين من الرب أن ينير طريقنا، حتى لا نسقط في خطية النميمة القاسية..

والنميمة تنتسب إلى خطية الكذب، والكذابون موضعهم في ملكوت الشيطان. زيادة على ذلك فإن النميمة – وهي طعن الآخرين في ظهورهم – تنتسب إلى أردأ جانب، تحذر منه الوصية الخامسة: لا تقتل. ذلك لأننا حينما نحطم سمعة إنسان، نستطيع أن تميته، أكثر مما لو أمسكنا بسكين وذبحناه ذبحاً.

كم هي رهيبة، دينونة يسوع، على من يكسر الوصية الخامسة، حتى في مفهومها المسيحي: مجرد الغضب على الأخ! الذي يعبر عنه المسيح بأنه قتل للنفس. ومرة أخرى يظهر لنا يسوع بوضوح، أن هذه الخطية، لابد وأن تأتي بنا إلى موضع العذاب، إن لم نتب عنها.

.ويصور لنا الرسول، غضب الله على هذه الخطية، حينما يوصينا بألا نأكل... حتى مجرد أن نأكل، مع النمامين؟ لا صلة للنمام، مع المؤمن، في ملكوت الله. إن نصيبه هو في الظلمة الخارجية.

ومصيره أمام الدينونة القاسية، التي تنتظر النمامين. ألا يليق بنا أن نصفي حسابنا بالكلية، مع هذه الخطية؟ ألا يليق بنا أن نتعهد أمام الله قائلين:

"أتعهد أمامك يا إلهي، ألا أنشر أية شائعات عن الآخرين، دون أن أفحص أولاً كل شيء بروح التدقيق".

وكم علينا أيضاً أن نطلب من إلهنا أن يهبنا الانكسار أمامه، بسبب الأوقات التي أضعناها في مثل هذه الأمور، حتى لا نرجع إليها مرة أخرى...

ثم علينا أن نردد هذه الصلاة يومياً: "قد جعلت آثامنا أمامك خفياتنا في ضوء وجهك" (مزمور 8:90).

يا رب إن كانت خفياتنا أمام عينيك، فأعنا حتى نرى الدوافع التي تدفعنا للحكم على الآخرين بألسنة قاسية.

نعم.. علينا أن نسأل الله يومياً، حتى يظهر لنا الجذور الخفية لخطايانا... ويكشف لنا لماذا نتحامل على شخص ما، ونصدر ضده الحكم القاسي.. وغالباً ما يكون ذلك سببه، الكبرياء، أو الغيرة، أو الحسد، أو المرارة. ولكن لا يكفي أن يعلن هذا لنفوسنا، وأن نعترف به أمام غيرنا، كلا. علينا أن نذهب بالذات، إلى من أسأنا إليهم، ووشينا بهم، وأصدرنا أحكامنا القاسية عليهم بالنقد، والنميمة سائلين عفوهم، وسماحهم. كما يجب علينا أن نخبر الآخرين بالحقيقة، لكي يعرفوا كل شيء...

توبوا! هذه كانت خلاصة تعاليم يسوع. ارجعوا عن أفعالكم وطرقكم الرديئة... إن كنا قد أسأنا إلى غيرنا، بكلام النميمة والذم الخفي، لنتب عن ذلك تابعين وصية يسوع، حتى لا نصبح مرة ثانية، آلات طيعة في أيدي الشيطان. فإبليس، هو الكذاب العتيق، الذي من البدء كان قتالاً للناس، ولم يثبت في الحق، لأنه ليس فيه الحق. متى تكلم بالكذب، فإنما يتكلم بدافع طبيعته، لأنه كذاب، وأبو كل كذاب.. فإن لم نتب عن النميمة، سوف نصبح ملكاً له، وسوف يأتي في نهاية الحياة، ليأخذ الذي له إلى ملكوت العذاب، والأهوال...

نحن أبناء النور..

إن يسوع يريد أن نتوب عن خطية النميمة، والكذب. لقد قال " أتيت إلى العالم لأشهد للحق" (يوحنا 37:18). وهو افتدانا لنصبح أبناء النور، وأبناء الحق. وإن كان هو مصدر الحق، وجوهر الحق، ورأس الحق، ألا يستطيع أن يجعل أعضاء جسده الذين هم آلات للحق، يشهدون للحق؟

يقول يسوع: "اسألوا تعطوا". وهو على استعداد أن يهبنا روح الحق، روحه القدوس. ولقد وعدنا بذلك إن نحن سألناه بالإيمان. وهو يحثنا أن نفعل ذلك، حتى يخلصنا، من خطية النميمة القاسية.

وهكذا عن طريق فدائه، نستطيع أن نتحدث بأشياء طيبة عن الآخرين، بروح المحبة، باذلين كل جهد حتى نطبق ترنيمة المحبة، كما أوردها الرسول بولس في أنشودته الخالدة في كورنثوس الأولى والأصحاح الثالث عشر...